فصل: قال القاسمي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وقيل: معناه: لم يبلغوا حدّ الشهوة، قاله الفراء، والزجاج، يقال: ظهرت على كذا: إذا غلبته، وقهرته.
والمعنى: لم يطلعوا على عورات النساء ويكشفوا عنها للجماع، أو لم يبلغوا حدّ الشهوة للجماع.
قراءة الجمهور: {عورات} بسكون الواو تخفيفًا، وهي لغة جمهور العرب.
وقرأ ابن عامر في رواية بفتحها.
وقرأ بذلك ابن أبي إسحاق، والأعمش.
ورويت هذه القراءة عن ابن عباس، وهي لغة هذيل بن مدركة، ومنه قول الشاعر الذي أنشده الفراء:
أخوَ بيَضَاتٍ رائحٌ متأوبٌ ** رفيقٌ لمسح المنكبينِ سبوحُ

واختلف العلماء في وجوب ستر ما عدا الوجه والكفين من الأطفال، فقيل: لا يلزم لأنه لا تكليف عليه، وهو الصحيح؛ وقيل: يلزم لأنها قد تشتهي المرأة.
وهكذا اختلف في عورة الشيخ الكبير الذي قد سقطت شهوته، والأولى بقاء الحرمة كما كانت، فلا يحلّ النظر إلى عورته، ولا يحلّ له أن يكشفها.
وقد اختلف العلماء في حدّ العورة، قال القرطبي: أجمع المسلمون على أن السوأتين عورة من الرجل، والمرأة، وأن المرأة كلها عورة إلاّ وجهها، ويديها على خلاف في ذلك.
وقال الأكثر: إن عورة الرجل من سرّته إلى ركبته {وَلاَ يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ} أي: لا تضرب المرأة برجلها إذا مشت ليسمع صوت خلخالها من يسمعه من الرجال، فيعلمون أنها ذات خلخال.
قال الزجاج: وسماع هذه الزينة أشدّ تحريكًا للشهوة من إبدائها.
ثم أرشد عباده إلى التوبة عن المعاصي، فقال سبحانه {وَتُوبُواْ إِلَى الله جَمِيعًا أَيُّهَ المؤمنون} فيه الأمر بالتوبة، ولا خلاف بين المسلمين في وجوبها، وأنها فرض من فرائض الدين، وقد تقدّم الكلام على التوبة في سورة النساء.
ثم ذكر ما يرغبهم في التوبة، فقال {لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} أي: تفوزون بسعادة الدنيا، والآخرة، وقيل: إن المراد بالتوبة هنا: هي عما كانوا يعملونه في الجاهلية، والأوّل أولى لما تقرر في السنة أن الإسلام يجبّ ما قبله.
وقد أخرج ابن مردويه عن عليّ بن أبي طالب قال: مرّ رجل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم في طريق من طرقات المدينة، فنظر إلى امرأة، ونظرت إليه، فوسوس لهما الشيطان: أنه لم ينظر أحدهما إلى الآخر إلاّ إعجابًا به، فبينما الرجل يمشي إلى جنب حائط، وهو ينظر إليها، إذ استقبله الحائط، فشق أنفه، فقال: والله لا أغسل الدمّ حتى آتي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأعلمه أمري، فأتاه، فقصّ عليه قصته، فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم: «هذا عقوبة ذنبك»، وأنزل الله: {قُلْ لّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّواْ مِنْ أبصارهم} الآية.
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، عن ابن عباس: {قُلْ لّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّواْ مِنْ أبصارهم} قال: يعني من شهواتهم مما يكره الله.
وأخرج ابن أبي شيبة، وأبو داود، والترمذي، والبيهقي في سننه عن بريدة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تتبع النظرة النظرة، فإن الأولى لك، وليست لك الأخرى» وفي مسلم، وأبي داود، والترمذي، والنسائي، عن جرير البجلي قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نظرة الفجأة، فأمرني أن أصرف بصري، وفي الصحيحين، وغيرهما من حديث أبي سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إياكم والجلوس على الطرقات»، قالوا: يا رسول الله ما لنا بدّ من مجالسنا نتحدّث فيها، فقال: «إن أبيتم فأعطوا الطريق حقه»، قالوا: وما حقه يا رسول الله؟ قال: «غضّ البصر، وكف الأذى، وردّ السلام، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر».
وأخرج البخاري، وأهل السنن، وغيرهم عن بهز بن حكيم، عن أبيه، عن جدّه قال: قلت: يا رسول الله عوراتنا ما نأتي منها، وما نذر؟ قال: «احفظ عورتك إلاّ من زوجتك، أو ما ملكت يمينك»، قلت: يا نبيّ الله إذا كان القوم بعضهم في بعض، قال: «إن استطعت أن لا يراها أحد فلا يرينها»، قلت: إذا كان أحدنا خاليًا، قال: «فالله أحق أن يستحيا منه من الناس» وفي الصحيحين، وغيرهما من حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كتب الله على ابن آدم حظه من الزنا أدرك ذلك لا محالة، فزنا العين النظر، وزنا اللسان النطق، وزنا الأذنين السماع، وزنا اليدين البطش، وزنا الرجلين الخطو، والنفس تتمنى، والفرج يصدّق ذلك أو يكذبه» وأخرج الحاكم وصححه عن حذيفة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «النظرة سهم من سهام إبليس مسمومة، فمن تركها من خوف الله أثابه الله إيمانًا يجد حلاوته في قلبه»، والأحاديث في هذا الباب كثيرة.
وأخرج ابن أبي حاتم عن مقاتل قال: بلغنا، والله أعلم: أن جابر بن عبد الله الأنصاري حدّث أن أسماء بنت يزيد كانت في نخل لها لبني حارثة، فجعل النساء يدخلن عليها غير متزرات فيبدو ما في أرجلهن، يعني: الخلاخل، وتبدو صدورهنّ وذوائبهنّ، فقالت أسماء: ما أقبح هذا، فأنزل الله ذلك: {وَقُل للمؤمنات يَغْضُضْنَ مِنْ أبصارهن} الآية، وفيه- مع كونه مرسلًا- مقاتل.
وأخرج عبد الرزاق، والفريابي، وسعيد بن منصور، وابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والطبراني، والحاكم وصححه، وابن مردويه عن ابن مسعود في قوله: {وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ} قال: الزينة: السوار، والدملج، والخلخال، والقرط، والقلادة، {إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا} قال: الثياب والجلباب.
وأخرج ابن أبي شيبة، وابن جرير، وابن المنذر عنه قال: الزينة زينتان زينة ظاهرة، وزينة باطنة لا يراها إلاّ الزوج، فأما الزينة الظاهرة، فالثياب، وأما الزينة الباطنة، فالكحل، والسوار، والخاتم.
ولفظ ابن جرير: فالظاهرة منها الثياب، وما خفي الخلخالان، والقرطان، والسواران.
وأخرج ابن المنذر عن أنس في قوله: {إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا} قال: الكحل والخاتم.
وأخرج سعيد بن منصور، وعبد ابن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، والبيهقي في سننه عن ابن عباس {وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا} قال: الكحل، والخاتم، والقرط، والقلادة.
وأخرج عبد الرزاق، وعبد بن حميد عنه قال: هو خضاب الكفّ، والخاتم.
وأخرج ابن أبي شيبة، وعبد بن حميد عن ابن عمر قال: الزينة الظاهرة الوجه والكفان.
وأخرجا عن ابن عباس قال: {إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا} وجهها، وكفاها، والخاتم، وأخرجا أيضًا عنه قال: رقعة الوجه وباطن الكفّ.
وأخرج ابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، وابن المنذر، والبيهقي في سننه عن عائشة: أنها سئلت عن الزينة الظاهرة قالت: القلب، والفتخ، وضمت طرف كمها.
وأخرج أبو داود، وابن مردويه، والبيهقي عن عائشة: أن أسماء بنت أبي بكر دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم وعليها ثياب رقاق، فأعرض عنها وقال: «يا أسماء إن المرأة إذا بلغت المحيض لم تصلح أن يرى منها إلاّ هذا»، وأشار إلى وجهه وكفه.
قال أبو داود، وأبو حاتم الرازي: هذا مرسل لأنه من طريق خالد بن دريك عن عائشة، ولم يسمع منها.
وأخرج البخاري، وأبو داود، والنسائي، وابن جرير، وابن المنذر، وابن مردويه، والبيهقي في سننه عن عائشة: قالت: رحم الله نساء المهاجرات الأولات لما أنزل الله {وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ على جُيُوبِهِنَّ} شققن أكثف مروطهنّ، فاختمرن به.
وأخرج ابن جرير، والحاكم وصححه، وابن مردويه عنها بلفظ: أخذ النساء أزرهنّ، فشققنها من قبل الحواشي، فاختمرن بها.
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والبيهقي في سننه عن ابن عباس في قوله: {وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا} والزينة الظاهرة: الوجه، وكحل العينين، وخضاب الكفّ، والخاتم، فهذا تظهره في بيتها لمن دخل عليها، ثم قال {وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَآئِهِنّ} الآية، والزينة التي تبديها لهؤلاء: قرطها، وقلادتها، وسوارها، فأما خلخالها، ومعضدها، ونحرها، وشعرها، فإنها لا تبديه إلاّ لزوجها.
وأخرج عبد بن حميد، وابن المنذر من طريق الكلبي، عن أبي صالح، عن ابن عباس: {أَوْ نِسَائِهِنَّ} قال: هنّ المسلمات لا تبديه ليهودية ولا نصرانية، وهو النحر، والقرط، والوشاح، وما يحرم أن يراه إلاّ محرم.
وأخرج سعيد بن منصور، وابن المنذر، والبيهقي في سننه، عن عمر بن الخطاب: أنه كتب إلى أبي عبيدة: أما بعد، فإنه بلغني أن نساء من نساء المسلمين يدخلن الحمامات مع نساء أهل الشرك، فإنه من قبلك عن ذلك، فإنه لا يحلّ لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن ينظر إلى عورتها إلاّ أهل ملتها.
وأخرج ابن أبي شيبة، وابن المنذر، عن ابن عباس قال: لا بأس أن يرى العبد شعر سيدته.
وأخرج أبو داود وابن مردويه، والبيهقي عن أنس: أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى فاطمة بعبدٍ قد وهب لها، وعلى فاطمة ثوب إذا قنع به رأسها لم يبلغ رجليها، وإذا غطت به رجليها لم يبلغ رأسها، فلما رأى النبيّ صلى الله عليه وسلم ما تلقى قال: «إنه ليس عليك بأس إنما هو أبوك وغلامك» وإسناده في سنن أبي داود هكذا، حدّثنا محمد بن عيسى، حدثنا أبو جميع سالم بن دينار، عن ثابت، عن أنس فذكره.
وأخرج عبد الرزاق، وأحمد عن أم سلمة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا كان لإحداكنّ مكاتب، وكان له ما يؤدي، فلتحتجب منه»، وإسناد أحمد هكذا: حدّثنا سفيان بن عيينة، عن الزهري، عن نبهان: أن أم سلمة فذكره.
وأخرج الفريابي، وابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، وابن جرير عن ابن عباس في قوله: {أَوِ التابعين غَيْرِ أُوْلِي الإربة مِنَ الرجال} قال: هذا الذي لا تستحيي منه النساء.
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والبيهقي في سننه عن ابن عباس في الآية قال: هذا الرجل يتبع القوم، وهو مغفل في عقله، لا يكترث للنساء، ولا يشتهي النساء.
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر عنه في الآية قال: كان الرجل يتبع الرجل في الزمان الأوّل لا يغار عليه، ولا ترهب المرأة أن تضع خمارها عنده، وهو الأحمق الذي لا حاجة له في النساء.
وأخرج ابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عنه أيضًا في الآية قال: هو المخنث الذي لا يقوم زبه.
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد ومسلم وأبو داود والنسائي وابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه، والبيهقي، عن عائشة قالت: كان رجل يدخل على أزواج النبيّ صلى الله عليه وسلم مخنث، فكانوا يدعونه من غير أولي الإربة، فدخل النبيّ صلى الله عليه وسلم يومًا وهو عند بعض نسائه، وهو ينعت امرأة قال: إذا أقبلت أقبلت بأربع، وإذا أدبرت أدبرت بثمانٍ، قال النبيّ صلى الله عليه وسلم: «ألا أرى هذا يعرف ما ها هنا لا يدخلنّ عليكم، فحجبوه» وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، عن ابن عباس في قوله: {وَلاَ يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ} وهو: أن تقرع الخلخال بالآخر عند الرجال، أو يكون في رجلها خلاخل فتحركهن عند الرجال، فنهى الله عن ذلك، لأنه من عمل الشيطان. اهـ.

.قال القاسمي:

{قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ} أي: مقتضى إيمانكم الغض عما حرم الله تعالى النظر إليه: {وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ} أي: عن الإفضاء بها إلى محرم، أو عن الإبداء والكشف: {ذَلِكَ} أي: الغض والحفظ: {أَزْكَى لَهُمْ} أي: أطهر للنفس وأتقى للدين: {إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ} أي: بأفعالهم وأحوالهم. وكيف يجيلون أبصارهم، وكيف يصنعون بسائر حواسهم وجوارحهم. فعليهم، إذ عرفوا ذلك، أن يكونوا منه على تقوى وحذر، في كل حركة وسكون. أفاده الزمخشري.
تنبيهات:
الأول: قال السيوطي في الإكليل: في الآية تحريم النظر إلى النساء وعورات الرجال وتحريم كشفها. أخرج ابن أبي حاتم عن أبي العالية: كل شيء في القرآن من حفظ الفرج فهو من الزنى، إلا هذه الآية والتي بعدها، فهو أن لا ينظر الرجل إلى عورة الرجل، ولا المرأة إلى عورة المرأة. انتهى.